هي: ليست عيناي فقط هما اللتان تسألانني عنك، ولا دقات قلبي. ليست أنفاسي، ولا صمتي، ولا أًصابعي. ليلي يرتعش يا صباح، كأن الحمى ضربته. منذ الخميس وأنا أتسلل إلى الشرفة، لأتلصص على القمر الذي نبق تلك الليلة من بين أطباق الغيوم الكامدة. كان أحمر ومرتبكاً، وقد شكوت له بُعْدك. أنت أبعد منه، ورقّ لحالي، ونصحني: تَقَمْرني يا نمنوما تصحّي. أنا مريضة يا حبيبي. أنا مريضة بك، والقمر الملعون صار يلطو خلف الغيوم، وينبق، يلطو وينبق. من الملعون أكثر: أنت أم هو؟ من الأجمل أكثر: أنت أم هو؟ هو: بين الوسادة وعنقه تسللت ذراع عارية وناعمة مثل الشفرة. أسلم عنقه مثل ذبيحة. وبلا عينين، وفي سويداء العتمة، رأى بياض الذراع يسطع، فنسي عنقه، وأقبل على الأنف الدقيق يتشممه، وربما كان سيطوف بين الحاجبين أو حول الأذن التي أومأت له، لكن نمنوما همست: حبيبي، فغاب في ومضة فومضة من ضياء وعتمة، من خوف وأمان، من لذة ومن وجع. وودّ لو يقدر على أن يملأ هذا الفجر ضحكاً وبكاءً معاً. لكنه عجز كما يعجز الوليد أو الميت. وطال به العجز ريثما تماثل له برزخ مما يقال إنه يقوم بين الحياة والموت، أو بين الجنة والجحيم.